عدد الرسائل : 236 العمر : 32 طاقتك : تاريخ التسجيل : 12/03/2009
موضوع: حوار مع مؤنس الملك الحسن الثاني (2) يتبع.. الجمعة مارس 20, 2009 8:49 am
أول لقاء مع الملك الحسن الثاني
س: كيف كان أول لقاء لك مع الملك الراحل الحسن الثاني؟
كنت مديرا بثانوية "للامريم" بمراكش، وكنت كسائر الأدباء في عيد العرش أنشد قصائد لتهنئة الملك بعيد العرش، وكان أن سمع الملك إحدى قصائدي ومطلعها:
هل يرتديني العرش من شعرائه **** وأنا حليف الشعر تحت لوائه
أفلا يغني الطائر الغريد **** في روض أتى الروض حسن غنائه
فأنا ذلك الغريد…
فأرسل الملك في طلبي، ولم أجد بدا من الإجابة، فسألني كم أحفظ من ديوان شاعر الحمراء، فقلت له "أحفظ سبعين حتى ثمانين في المائة مما كتبه شاعر الحمراء" فقال لي "بلغني أنك تحفظ الديوان كله". فقلت "إذا قالها أمير المؤمنين فأنا أحفظه" فقد أعطاني الله ملكة حفظ ما سبقني بها أحد.ثم سألني عن المحفوظات فأجبته، وسألني عن أشياء أخرى لا أستطيع أن أبوح بها فأجبته، ودام ذلك اللقاء أزيد من ثلاث ساعات في أحد أيام رمضان، ثم كلفني بجمع ديوان شاعر الحمراء رفقة مجموعة من أصدقاء الشاعر، ولما انتهينا من تحقيق الديوان ورآه طلب مني الملك أن أكون أحد مؤنسيه، ولم أجد بدا من القبول، رغم أن مقامي أكبر من مقام مؤنس، لكن لما اقتضى نظر الملك ذلك كانت علي الطاعة لأوامره.
قصيدة الغزل التي كتبها الحسن الثاني
س: وماذا تحفظ من ذكريات عن تلك المحادثات؟
كان الملك المرحوم شاعرا، فلن أنسى يوما، ذات ليلة نابغية في مدينة الدارالبيضاء، كان الليل قد انتصف، وكنت لا أفارقه حتى يذهب الى فراش النوم عند الرابعة صباحا، وكان المرحوم يذهب كل يوم الى مكتبه ويمكث به حتى الثانية بعد الظهر يصرف فيها أمور الدولة، وينام ساعتين، وبعد ذلك يقوم لتأدية واجبات الصلاة، فقد كان رجلا يؤدي الصلاة في وقتها، وفي كل شهر كان يختم القرآن بمعدل قراءة حزبين كل يوم بعد صلاة المغرب. وقبل النوم كان يدعوني لقراءة قصائد أو مؤلفات أو مقامات حتى تحين ساعة نومه…
س: وماذا حدث تلك الليلة النابغية؟
دعاني الملك تلك الليلة لسماع قصيدة من إنشاده كان قد كتبها في عنفوان شبابه يتغزل فيها في فتاة يقول مطلعها
لها نهد كأنه حُقُّ عاج **** وذراع يستلفت النظرات
فلا يوم قضيته في هناء **** ولا ليل تعيش فيه حياتي.
فناظرته قائلا:
حيي وأهتف بأجمل الذكريات **** واشذب الشعر رائع النغمات
شعر خير الملوك قولا وفعلا **** حسني سيـد الحمى والحمــاة
واستمرت هذه القصيدة 50 بيتا!
س: ومن هم الشعراء الذين كان يحفظ لهم الحسن الثاني؟
كان يحفظ الكثير من الشعر، ومن القدماء كان يحفظ لعنترة بن شداد وللحادث بن حلزة.
س: وما هو أقرب الشعر إليه؟
شعر الحكمة والحروب. وكنت أحدثه عن الشعر العربي، وكان مولعا بمقامات الحريري، إذ كنت كل ليلة أقرأ عليه مقامة، وكلها أحفظها عن ظهر قلب، أي 41 مقامة كاملة.
س: وكيف كانت تتم القراءة، هل لها طقوس معينة؟
غالبا ما نكون نحن الاثنان فقط، أو يكون الملك داخل بيته صحبة العريفات وباقي المؤنسين خلف حجاب وأكون أنا جالسا أمام ميكروفون أتلو ما يأمر به الملك، وعندما أنهي تلاوتي، ويذهب الملك الى فراش نومه أغادر القصر عائدا الى بيتي، وقد استمررت على هذه الحال طيلة مرافقتي للملك الراحل.
س: وهل كان الملك يتواصل معك أثناء قراءاتك؟
ذات ليلة في الدارالبيضاء، قاطعني الملك وطلب مني أن أستمع وبدأ
ينشد:يا سليل النبي إني سليل **** وسليل النبي يرجو تحية
وسألني لمن هذا النفس الشعري؟فأجبته بأن هذا النفس يشبه الشعراء العظام.ففاجأني بالقول: هذا شعري.فقد كان رحمه الله يحب سماع وقول الشعر، وكان يناظرني في الفقه والتاريخ والأدب والتفسير والحديث، وكان بحرا لا ساحل له في مجال النحو.
س وما هو أطرف الشعر الذي كان يطرب له الحسن الثاني؟
كانت تعجبه طرائف الشعر، وكان شديد الإعجاب بقصيدة "الهدهد" من شعر أمير الشعراء أحمد شوقي والتي يقول في مطلعها:
وقف الهدهدُ في باب سليمان بذلة قال يا مولاي كن لي عيشتي صارت مملة
مت من حبة قمح أحدثت في الصدر غُلَّة لا مياه النيل ترويها ولا أمواج دجلة
وإذا ذابت قليلا قتلتني شر قتلة فأشار السيد العادل الى من كان حوله
لا أرى الحبة إلا سرقت من بيت نملة إن للظالم صدرا يشتكي من غير علة